الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن شأن الوزير أبي بكر بن غازي وما كان من تغريبه إلى مايرقة ثم رجوعه وانتقاضه بعد ذلك: لما اشتد الحصار بالوزير أبي بكر بن غازي وفنيت أمواله وأموال السلطان وظن أنه أحيط به داخله الوزير محمد بن عثمان من مكانهم بحصاره في النزول عن البلد على الأمان والإبقاء فأجاب وخرج إلى السلطان أبي العباس بن أبي سالم فعقد له أمانا بخطه وتحول إلى دار بفاس وأسلم سلطانه المنصوب للأمر فتسلمه منه الوزير محمد بن عثمان واشتد في الاحتياط عليه إلى أن بعثه إلى السلطان ابن الأحمر فكان في جملة الأبناء عنده ودخل السلطان أبو العباس إلى دار ملكه واقتعد سريره ونفذت في الممالك أوامره وأقام أبو بكر بن غازي على حاله بداره والخاصة يباكرونه والنفوس منطوية على تأميله فغص به أهل الدولة وترددت فيه السعاية وتقبض عليه السلطان وأشخصه إلى غساسة وركب منها السفين إلى ميورقة آخر ست وسبعين وسبعمائة فأقام بها شهرا ومخاطباته مترددة إلى الوزير محمد بن عثمان ثم عطفته عليه رحم فأذن له في القدوم إلى المغرب والمقامة بغساسة فقدمها أوائل سنة سبع وسبعين وسبعمائة واستبد بامارتها وبدا له رأي في تأميل الوثبة وظهر ما كان يخفيه لابن عمه من المنافسة فخاطب ابن الأحمر وراء البحر ولاطفه بالتحف والهدايا فكتب إلى ابن عمه محمد بن عثمان يحضه على إعادته إلى مكانه دفعا لغوائله فأبى من ذلك وداخله ونزمار بن عريف في بعضها كذلك فلح في الامتناع وحمل سلطانه على نبذ العهد لأبي بكر بن غازي فتنكر له وأجمع المسير إليه بعساكر العرب فخرج من فاس سنة تسع وسبعين وسبعمائة وبلغ الخبر إلى أبي بكر بن غازي فاستجاش بالعرب وأحثهم للوصول فوصل إليه الأحلاف من المعقل وسرب فيهم أمواله وخرج من غساسة فألقى بينهم نفسه وعمد إلى بعض العرب الطارئين فنصبه للأمر مشبها ببعض أبناء السلطان أبي الحسن وزحف إليه السلطان حتى نزل بتازى فأجفلت أحياء العرب أمام العساكر من بني مرين والجند ونجا ابن غازي معهم بدمائه ثم داخله ونزمار بن عريف في الاذعان للسلطان عن شق الخلاف فأجاب ووصل به إلى سدة الملك فبعث به السلطان محتاطا عليه إلى فاس فاعتقل بها ونزلت مقدمات العساكر بوادي ملوية وداخل صاحب تلمسان منهما رعب فأوفد على السلطان من قومه وكبار مجلسه ملاطفا مداريا فتقبل منه وعقد السلم وأصدر به كتابه وعهده بخطه وانكفأ راجعا إلى حضرته بعد أن بث العمال في تلك النواحي على جبايتها فجمعوا له منها ما رضي ولما احتل بدار ملكه أنفذ أمر بقتل أبي بكر بن غازي فقتل بمحبسه طعنا بالرماح وذهب مثلا في الأيام واستوثق للسلطان أمره وأحكم العقد مع الأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن صاحب مراكش وترددت المهاداة بينهما بعض إلى بعض وإلى صاحب الأندلس وإليه منهما فامتلأت المغرب هدنة وأمنا وانبعثت الآمال بساطا وغبطة والحال متصلة على ذلك لهذا العهد آخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة أيام إشرافنا على هذا التأليف والله مقدر الليل والنهار..الخبر عن انتقاض الصلح بين الأمير عبد الرحمن صاحب مراكش والسلطان أبي العباس صاحب فاس واستيلاء عبد الرحمن على أزمور ومقتل عاملها حسون بن علي: كان علي بن عمر كبير بني ورتاجن وشيخ بني ويغلان منهم قد تحيز إلى الأمير عبد الرحمن منذ إجازته إلى الأندلس واستيلائه على تازى ثم زحفه إلى حصار البلد الجديد مع السلطان أبي العباس كما مر فوصل في جملته إلى مراكش وكان صاحب شواره وكبير دولته وكان يظعن على خالد بن إبراهيم الهربرحى شيخ جاجة من قبائل المصامدة ما بين مراكش وبلاد السوس وقد كان علي بن عمر انتقض على ابن غازي الوزير المستبد بعد السلطان عبد العزيز ولحق بالسوس ومر بخالد بن إبراهيم هذا فاعترضه في طريقه وأخذ الكثير من أثقاله ورواحله وخلص هو إلى منجاته بالسوس وقد حقد ذلك لخالد ثم حث شيوخ المعقل عندما أجاز الأمير عبد الرحمن من الأندلس إلى نواحي تازى يروم اللحاق بهم فوفدوا عليه وسار معهم إلى أحيائهم وأقام معهم وهو في طاعة الأمير عبد الرحمن ودعوته إلى أن اتصل به بين يدي حصاره البلد الجديد مع السلطان أبي العباس فلما فتح السلطان البلد الجديد أول سنة ست وسبعين وسبعمائة واستولى على ملكهم بها وفصل عبد الرحمن إلى مراكش كما كان الوفاق بينهم وسار علي بن عمر في جملة السلطان عبد الرحمن إلى مراكش واستأذنه في قتل خالد صاحبه فلم يأذن له فأحفظه ذلك وطوى عليه وبعد أيام صعد جبل وريكة في غرض من أغراض الدولة وتقدم إلى حافده عامر ابن ابنه محمد بقتل خالد فقتله بظاهر مراكش ولحق بجده علي بن عمر بوريكة فتلطف له الأمير عبد الرحمن وأرسله بالملاينة والاستعطاف ثم ركب إليه بنفسه واستصلحه ونزل به إلى مراكش فأقام معه أياما ثم ارتاب ولحق بأزمور وعاملها يومئذ حسون بن علي الصبيحي فأغراه بالإجلاب على عمل مراكش وزحفوا جميعا إلى عمل صنهاجة وسرح الأمير عبد الرحمن لمدافعتهم كبير دولته يومئذ وابن عمه عبد الكريم بن عيسى ابن سليمان بن منصور بن أبي مالك وهو عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق فخرج في العساكر ومعه منصور مولى الأمير عبد الرحمن فلقوا علي بن عمر فهزموه وأخذوا سواده ولجأ إلى أزمور ثم وفد هو وحسون بن علي إلى السلطان بفاس ووقعت أثناء ذلك المراسلة بين السلطانين وانعقد بينهما الصلح فأقام علي بن عمر بفاس ورجع حسون بن علي إلى مكان عمله بأزمور ثم انتقض ما بين السلطانين ثانيا وكان عند الأمير عبد الرحمن أخوان من ولد محمد بن يعقوب بن حسان الصبيحي وهما علي وأحمد جرثومتا بغي وفساد وعدا على كبيرهما علي بن يعقوب ابن علي بن حسان فقتله واستعدى أخوه موسى عليه السلطان فأعداه وأذن له في أن يثأر منه بأخيه فيقتله فخرج لذلك أحمد أخو علي وهم بقتل موسى فاستجار موسى بيعقوب بن موسى بن سيد الناس كبير بني ونكاسن وصهر الأمير عبد الرحمن وأقام أياما في جواره ثم هرب إلى أزمور فلحقه نار الفتنة ونهض الأمير عبد الرحمن إلى أزمور فلم يطق حسان بن علي دفاعه فملكها عليه وقتله واستباحها وبلغ الخبر إلى السلطان بفاس فنهض في عساكره وانتهى إلى سلا ورجع الأمير عبد الرحمن إلى مراكش وسار السلطان في اتباعه حتى نزل بحصن أكمليم من مراكش وأقام هنالك نحوا من ثلاثة أشهر والقتال يتردد بينهم ثم سعى بين السلطانين في الصلح فاصطلحوا على حدود العمالات أولا وانكفأ صاحب فاس إلى عمله وبلده وبعث الحسن بن يحيى بن حسون الصنهاجي عاملا على الثغر بأزمور فأقام بها وكان أصله من صنهاجة أهل وطن أزمور وله سلف في خدمة بني مرين منذ أول دولتهم وكان أبوه يحيى في دولة السلطان أبي الحسن عاملا في الجباية بأزمور وغيرها وهلك في خدمته بتونس أيام مقام السلطان بها وترك ولده يستعمل في مثل ذلك ونزع الحسن هذا منهم إلى الجندية فلبس شارتها وتصرف في الولاية المناسبة لها واتصل بخدمة السلطان أبي العباس لأول بيعته بطنجة وكان يومئذ عاملا بالقصر الكبير فدخل في دعوته وصار في جملته وشهد معه الفتح واستعمله في خطط السيف حتى ولاه أزمور هذه الولاية فقام بها كما نذكره.وأما الصبيحيون فالخبر عن أوليتهم أن جدهم حسان من قبيلة صبيح من أفاريق سويد جاء مع عبد الله بن كندوز الكمي من بني عبد الواد حين جاء من تونس وأوفد على السلطان ابن عبد الحق ولقيه كما مر وكان حسان من رعاة إبله فلما استقر عبد الله بن كندوز بناحية مراكش وأقطعه السلطان يعقوب في أعمالها وكان الظهر الذي يحمل عليه السلطان متفرقا في سارية المغرب فجمعه وجعله لنظر عبد الله بن كندوز فجمع له الرعاة وكبيرهم يومئذ حسان الصبيحي فكان يباشر السلطان في شأن ذلك الظهر ويطالعه في مهماته فحصلت له مداخلة أجلبت إليه الحظ حتى ارتفع وكبر ونشئوا في ظل الدولة وعزها وتصرفوا في الولايات فيها وانفردوا بالشاوية فلم تزل ولايتها متوارثة فيهم منقسمة بينهم لهذا العهد إلى ما كانوا يتصرفون فيه من غير ذلك من الولايات وكان لحسان من الولد علي ويعقوب وطلحة وغيرهم ومن حسان هذا تفرعت شعوبهم في ولده وهم لهذا العهد متصرفون في الدولة على ما كان سلفهم من ولاية الشاوية والنظر في رواحل السلطان والظهر الذي يحمل من الإبل ولهم عدد وكثرة ونباهة في الدولة والله أعلم.
|